من بلاغة القران الكريم (حذف نون انْ )في اية((وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا)) الكهف(48)
الذي حصل في هذه الاية الكريمة هو حذف نون (ان )وإضمارها في لام (لن ) وليس حذف ان بدليل بقاء همزة أن(ألن) هذا في احكام التجويد يسمى ادغاما بغير غنة ،وقد يكون الادعام دون حذف وهو الشائع مثل((ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا)).كما أن الشائع في اللغة العربية اضمار أنْ إذا جاء بعدها حرف النفي(لا) المسبوق بلام التعليل ، وهذا كثير مثل((لئلا يكونَ دولةً بين الاغنياء منكم))و((لئلا يكونَ للناس على الله حجة بعد الرسل))والتقدير (لأن لا)، ومصطلح الادغام في علم النحو يسمى الاضمار فنعرب(يكونَ):فعل مضارع ناقص منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل.
ولم تضمر ان في لن إلا في موضعين في القران الكريم هما :هذه الاية(48) من سورة الكهف،واية (3) من سورة القيامة ((أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه(3).وقد جاء الاضمار في قمة البلاغة وذلك يدل عليه السياق حيث إن المقام يحتاج إلى سرعة الرد على زعمهم(الكفار) بأنهم لن يبعثوا بعد الموت((وقالوا إن هي إلا حيانتا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين ))وادغام كلمتين في كلمة واحدة اي اختصارهما في كلمة أمر ينتج عنه سرعة الحدث والحسم في الرد على زعمهم(أي أنكم ظننتم أن الله تعالى لن يحسم أمر موعدكم بالبعث من جديد للحساب ،وقد كان ظنكم أن لن يكون هناك موعد البتة،دل على ذلك استعمال (لن)التي تفيد التأبيد في نفي الحدث حدث البعث الذي زعموه ،كما انه استعمل (بل)التي تفيد الاضراب عن كلام سابق فياتي ما بعده عكسه ،والكلام السابق هو(عدم تصديقهم بالعرض امام الله تعالى للحساب).وما علموا بأن أمر الله بين الكاف وانون((وما أمر الساعة إلا كلمح بالبصر أو هو أقرب إن الله على كل شيءٍ قدير))النحل(77).
وكذلك اية((أيحسب الإنسان ألن نحمع عظامه)) حيث أضمر النون في لام لن لأن الجواب يحتاج إلى سرعة الحسم والرد على زعمهم ((وقالوا أإذا كنا رفاتاً وعظاماً أإنا لمبعوثون))،فجاء الادغام في قمة البلاغة حيث المقام يتطلب ذلك،وقد أكذ ذلك بقوله تعالى((بلى قادرين على أن نسوي بنانه))ونفي النفي يكون باستعمال (بلى) للإثبات ،مثل ((قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي)).
ومثل ذلك اضمار ان في لو في قوله تعالى((والو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا)(16)الجن ،والمعنى لو أسرعوا في الاستقامة على الطريقة (على الاسلام) لأسقيناهم ماء غدقا,وهكذا فالاضمار يكون للسرعة والحسم فيأتي مختصرا النون،فهناك فرق في القراءة بين((أن لن نجعل لكم موعدا)) بالاظهار وبيين((ألن نجعل لكم موعدا) من حيث السرعة والحسم في الرد.
ومثل ذلك ما جاء على لسان سيدنا نوح عليه السلام في قوله تعالى((وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين)) هود(47)هنا اضمر النون في لا، لأن سيدنا نوح-عليه السلام- لما سأل اللهَ تعالى لابنه الذي قال عنه الله تعالى((قال ساوي إلى جبل يعصمني من الماء)) سأل له الرحمة والمغفرة -على اعتبار أنه من أهله -جاءه الجواب قال تعالى((يا نوح انه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألني ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين)) هود(46)عندها أدرك سيدنا نوح الموقف فسأل لنفسه المغفرة والرحمة وأرادها بسرعة فقال تعالى على لسانه(( قال رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين))فاستجيب له((قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك ))هود(48).فالبركة تعني حصول الرحمة ومنها المغفرة.
وهكذا يتبين أن المواضع التي تتطلب سرعة الرد والحسم يختفي فيها صوت النون من (أنْ) حيث المقام يتطلب ذلك.
بينما لو استعرضنا بعضا من الايات التي وردت فيها أن مع لن دون حذف نون (أن) ،قال تعالى((وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا))الجن(5)و قوله((وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا))الجن(7)وقوله((وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض ولن نعجزه هربا) الجن(12)لوجدنا أن الكلام جاء على لسان الجن حين استمع نفر منهم الى القران الكريم يتلوه النبي عليه السلام فكان موقفهم الايمان به قال تعالى((يهدي الى الرشد فامنا به ولن نشرك بربنا احدا))الجن (2)وما داموا قد امنوا فلا يحتاج المقام لإثبات البعث وإبطال المزاعم والظنون فثبتت نون (أن) وهذا واضح حين أخبروا في الايات اللاحقة عما كانوا عليه من ظن خاطيء بالله تعالى،فالايمان حاصل عندهم قال تعالى((وأنا لما سمعنا الهدى امنا به فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا))الجن(13).
اللهم إن أصبت فبفضلك وإن أخطأت فمن نفسي
((أفلا يتدبرون القران أم على قلوب أقفالها))
بقلم الشاعر:داود العرامين.
الثلاثاء فبراير 20, 2018 2:51 pm
الأحد أغسطس 23, 2015 1:49 pm
